السينما أجمل حلم يقظة فى التاريخ، وأقوى قرص مضاد للاكتئاب، وأحلى كذبة تمنحك الصدق، على شاشتها تنسج رغباتك أو تفك عقد كبتك، تطرد أو تستحضر كوابيسك، تطارد وتراوغ وتهرب وتواجه وتحب وتحضن وتهجر وتدنو وتجفو وتضحك وتبكى، تصبح الأمير والصعلوك بشريط نيجاتيف وشاشة خيالات وصالة مطفأة الأنوار تُظلل كل الراغبين فى عالم مختلف، المحبطين من الشارع الذى يتدافعون إليه بمجرد إضاءة النور، الإضاءة التى تهبط كجردل الثلج، كالصفعة التى توقظك من حلمك الجميل. انتابتنى فرحة طفولية وأنا أقرأ كتاب الصديق الجميل د. أحمد خالد توفيق «أفلام الحافظة الزرقاء»، ولأننى متأكد أن تلك الحافظة التى يحفظ فيها تلك الأفلام هى التى شكّلت ذاكرته السينمائية ووجدانه الأدبى، فقد أجّلت قراءته لأننى أريد التهام الكتاب دفعة واحدة وقضاء سهرة نوستالجيا مع قراءة مختلفة لأفلام أعشقها بأسلوب خالد توفيق السهل الممتنع، تذكرت سينما «سمارة» فى الدقى، التى كنت ضيفاً أسبوعياً عليها فى طفولتى بأفلامها الثلاثة، الأمريكانى والهندى والعربى، تذكّرت نادى السينما وأياديه البيضاء على جيلى، جيل ما قبل النت وتحميل الأفلام، وأعتقد أننا يجب أن نعيد الاعتبار ونعتذر إلى يوسف شريف رزق الله وسمير فريد ورؤوف توفيق على أن جيلنا لا يذكرهم حين يتحدث عن قائمة الشرف التى شكّلت عقولهم بجانب الشعراء وكتاب المسرح وأهل الفن والموسيقى. يكتب د. أحمد خالد توفيق بحب وبساطة عن معشوقته الأولى السينما، يكتب عن أفلام قديمة تنتمى إلى مدارس سينمائية مختلفة وأنواع متباينة، منها الكوميدى والأكشن والاستعراضى والرعب والسياسى، يأخذنا فى رحلة ممتعة وباللقطات (مع الكتاب دى فى دى يحتوى على اللقطات، وهى فكرة مبتكرة ومهمة لكتاب من تلك النوعية) عبر أفلام هى بصمات وعلامات ونقوش لن تُمحى من جدران أكبر المعابد الكونية، معبد الفن السابع، من أفلام الرعب (الشىء، طفل روز مارى، سايكو.. إلخ)، إلى أفلام الحرب (المدرعة بوتمكين، الجسر على نهر كواى، لورانس العرب)، إلى السياسة والرمز (زد وإنهم يقتلون الجياد، وطار فوق عش المجانين)، إلى أفلام الخيال العلمى (451 فهرنهايت، ويوم طفت الأسماك ميتة، والبرتقالة الميكانيكية)، وأفلام الكوميديا (د. سترينجلاف.. إلخ)، وبالطبع الأكشن والويسترن، وجبة دسمة شهية ستمس وجدان كل قارئ، سيجد فيها كل من يطلع على هذا الكتاب الممتع منطقة كانت قد ألقت بها الذاكرة بعيداً فى الخلفية، فجأة يلقى عليها الضوء وتنور!، خالد توفيق لا يقرأ بتحليل أكاديمى عن الضوء والكادر وحرفية الإخراج، وإنما يقرأ بروح وعين العاشق المتيم الذى يرد الجميل ويُفشى أسرار العشق والغرام، ويعلن للعالم كله أنه طبيب بدرجة عاشق سينما، وروائى برتبة متفرّج ترسو مزمن، وقيس يتنفس على شريط من السيلوليد أشعار حبه لليلى السينما وليلة العرض.